مجموعة دول اقتصادية كبيرة تسمى “بريكس BRICS” أثارت فكرة حديثاً وهي إنشاء عملة جديدة للتداول مدعومة بالذهب. ما هي هذه المجموعة؟ ولماذا أثارت هذه الفكرة؟
يعتبر الذهب المعدن الأصفر الذي تم استخدامه سابقاً كغطاء نقدي كامل للنقود قبل أن تتخلى الولايات المتحدة عن هذ الفكرة عام 1971. منذ ذلك الوقت، أصبح غطاء العملات يجمع مكونات عديدة، من بينها الذهب وما تمتلكه الدولة من عملات أجنبية رئيسية (الدولار، اليورو، الجنيه الاسترليني، الين الياباني، الفرنك السويري، الدولار الاسترالي، واليوان الصيني). لذا فإن فكرة اختيار الذهب كغطاءً لعملة لم يكن جديداً. ولكن لماذا تناقش كبرى الدول الاقتصادية الناشئة حديثاً طرح عملة للتداول والتجارة بينهم؟
في هذه المقالة، سنقدم لك معلومات حول هذا الشآن، وما هي أهداف هذا التكتل الاقتصادي وكيفية استفادة مصر من طرح العملة الجديدة.
ما هي دول “بريكس”؟
هو تكتل اقتصادي وسياسي عالمي يشمل كبرى الاقتصادات الناشئة وأكبر التكتلات السكانية في العالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، حيث سمى “بريكس (BRICS) ” لأنه اختصار للأحرف الأولى لأسماء الدول باللغة الإنجليزية.
وبدأت فكرة تأسيس بريكس في عام 2006 بعد سلسلة من الاجتماعات حول آلية تأسيسه، وعقدت الدول الخمس اجتماعها الأول في 16 يونيو عام 2009 فى مدينة ييكاترينبرج الروسية، حيث كان الاجتماع مكونا من أربع دول، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم أضافت جنوب إفريقيا في العام التالي.
وفي عام 2015، تم تأسيس بنك التنمية الجديد، الذي يسعى لمنافسة “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” في تمويل المشاريع التنموية. وتجدر الإشارة أن بنك التنمية الجديد يقع مقره في شنغهاي برأس مال مبدئي 50 مليار دولار، مقسمة بالتساوى بين الدول الخمس، إضافة إلى 100 مليار دولار أخرى لصندوق الاحتياطى النقدى لدعم الدول الأعضاء التى تكافح من أجل سداد الديون.
وتمثل مجموعة بريكس نحو 26% من الاقتصاد العالمي و 40% من سكان العالم و وأكثر من 16% من حجم التجارة العالمية، حيث تعتبر بريكس من أهم المجموعات الاقتصادية الصاعدة بالعالم وتتميز بتنوع توجهاتها واقتصاداتها، فضلاً عن الإمكانات البشرية والصناعية والزراعية الهائلة. وقد شهد دور بريكس تناميًا ملحوظاً في الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي ليتخطى أكبر التجمعات الاقتصادية العالمية.
من هي الدول المنضمة حديثاً إلى بريكس؟
انضمت ست دول جديدة إلى مجموعة بريكس وهي مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإثيوبيا وإيران، على أن يبدأ الأعضاء في اللإنضمام بشكل رسمي اعتباراً من يناير 2024. وقدمت 23 دولة حتى الآن من أصل ما يزيد عن 40 دولة تبدي رغبتها طلبا للانضمام إلى بريكس.
ومع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة سيصبح حجم اقتصاد المجموعة حوالي 29 تريليون دولار أي حوالي 29% من حجم الاقتصاد العالمي، مقارنة بحوالي 26 تريليون دولار قبل الانضمام. كما سيصبح لديها أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة، مايقارب نصف سكان العالم ، بعد أن كانت هذه النسبة تقدر بنحو 40% قبل انضمام هذه الدول. بالإضافة إلى ذلك، ستستحوذ بريكس الموسعة على نحو 32% من مساحة اليابسة في العالم بعد أن كانت تمثل نحو ربع مساحة اليابسة في العالم.
وسيمنح انضمام أعضاء جدد من كبار منتجي الطاقة في العالم، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مجموعة البريكس نفوذًا عالميًّا قويًّا في مجال أمن الطاقة العالمي، كما سيزيد من التكامل والتعاون التجاري داخل التكتل إذ تعد كل من الصين والهند من أكبر مستهلكي النفط في العالم.
أهداف إنشاء التحالف
يهدف هذا التكتل أن يصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” التى تستحوذ على 60% من الثروة العالمية، وبالتالي يصبح اقتصاد العالم متعدد الأقطاب عن طريق خلق بديل عن الهيمنة الاقتصادية الغربية.
كما يسعى إلى تحرير الاقتصاد العالمي من سيطرة الدولار والتقليل من هيمنته على التجارة الدولية ودوره كعملة احتياطية عالمية. وتهدف المجموعة إلى تحقيق ذلك عن طريق الاعتماد على العملات المحلية في التبادل التجاري والتداولات بين الدول الأعضاء، كما يأتي ذلك في إطار فكرة الاعتماد على عملة جديدة مدعومة بالذهب.
تعزيـز التبـادل التجاري والاستثمارات بيــن الدول الأعضاء من خلال فتح أسواق جديدة، فضلاً عن تحقيق تكامل اقتصادى وسياسى وجيوسياسى. كذلك دعم التنمية المستدامة وتوفير التمويل لمشاريع التنمية الاقتصادية والبنية التحتية فى الدول الأعضاء وذلك من خلال إيجاد بديل فعال وحقيقى لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى. وأخيراً زيادة صوت أعضائها في المنتديات العالمية، مثـل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين.
مناقشات لإنشاء عملة بريكس المدعومة بالذهب
يسعى تكتل بريكس إلى إطلاق عملة جديدة موحدة لكي تستخدم في التعاملات الاقتصادية والتجارية بين دول الأعضاء، وذلك في ظل رغبة المجموعة تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي في مدفوعات التجارة العالمية.
وفيما يبدو أن الخطوة الأولى ستكون زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية وإنشاء نظام دفع مشترك ومن ثم يتم إنشاء عملة جديدة، على الأرجح ستكون مدعومة بالذهب، حيث يتم التخطيط لاستخدام الذهب كأساس لنظام العملة الدولية الجديدة ووسيلة لتحقيق الاستقرار في قيمة العملة. والمقصود بمدعومة بالذهب هو امكانية تحويل تلك العملة إلى وحدات من الذهب كما كان معمول به في اتفاقية بريتون وودز، حين تم تثبيت سعر الدولار وقتها عند 35 دولاراً لأونصة الذهب (31.10 جرام).
وفي ظل العقوبات الصارمة المفروضة على روسيا والتي تمثل عزلها تماماً عن النظام المالي الغربي بأكمله، بما في ذلك بنوك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ونظام سويفت للمدفوعات المصرفية الدولية، فإن موسكو تسعى بقوة لإطلاق هذ العملة الجديدة لكي تكون مستقلة تماماً عن النظام الحالي ومنصة آمنة للتسويات متعددة الأطراف عبر الحدود.
وهناك احتمالية كبيرة لتولي روسيا رئاسة بريكس في 2024، الأمر الذي زاد من التكهنات بأنها ستحاول تسريع إصدار عملة بريكس الجديدة العام المقبل. كما ألمح بعض المحللين أن دول بريكس قد بدأت بالفعل في التوسع في شراء الذهب من أجل إطلاق العملة الجديدة في أقرب وقت ممكن.
ويمكن في حالة البدء في إطلاق هذه العملة أن تستفيد مصر من اكتشافتها الحديثة لمناجم الذهب، حيث إن هناك 7 مناجم واعدة مثل منجم السكري في مثلث الذهبي وحلايب وشلاتين كما يوجد مناطق أخرى متميزة للتنقيب عن الذهب داخل مصر، وفقاً لناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون صناعة الذهب.
كما زاد البنك المركزي المصري من كمية الذهب في احتياطي النقد الأجنبي خلال عام 2022 والربع الأول من العام الجاري، حيث كانت مصر أكبر مشترٍ للذهب على مستوى البنوك المركزية خلال الربع الأول من عام 2022، في حين مثل الذهب 29% من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي بنهاية أغسطس.